الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي
مجازة: الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة في المزدحم.وروى عتاب بن بشر عن حنيف عن زياد بن أبي مريم في قوله: {سَبْعاً مِّنَ المثاني} قال: أعطيتك سبعة أجزاء وهي سبع معان في القرآن: مرّ، وانه، وبشّر، وأنذر، واضرب الأمثال وأعدد النعم، وآتيتك نبأ القرآن.{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} يا محمّد {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً} أصنافاً {مِّنْهُمْ} من الكفار متمنياً إياها. نهى رسوله عن الرغبة في الدنيا.وقال أنس: مرّت برسول الله صلى الله عليه وسلم إبل أيام الربيع وقد حبست في أبعارها وأبوالها. فغطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عينه بكمّه وقال: «بهذا أمرني ربي» ثمّ تلا هذه الآية.{واخفض جَنَاحَكَ} ليّن جانبك {لِلْمُؤْمِنِينَ} وارفق بهم.والجناحان من ابن آدم جانباه، ومنه قوله: {واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ} [طه: 22] أي جنبك وناحيتك.{وَقُلْ إني أَنَا النذير المبين * كَمَآ أَنْزَلْنَا}، قال الفراء: مجازه: أنذركم عذاباً {عَلَى المقتسمين}. فاختلفوا فيهم.فروى الأعمش عن أبي ظبيان قال: سمعت ابن عبّاس يقول في قوله: {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين}، قال: هم اليهود والنصارى.{الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} جزّأوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.وقال عكرمة: سمّوا مقتسمين لأنّهم كانوا يستهزؤن فيقول بعضهم: هذه السورة لي. وقال بعضهم: هذه لي، فيقول أحدهم: لي سورة البقرة، ويقول الآخر: لي سورة آل عمران.وقال مجاهد: هم اليهود والنصارى، قسّموا كتابهم ففرّقوه وبدّدوه.وقال مقاتل: كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على أبوابها وأبقابها وإذا جاء الحجاج، قال فريق منهم: لا تغتروا بخارج منّا يدعي النبوة فإنه مجنون.وقالت طائفة أخرى: على طريق آخر أنه كاهن.وقالت طائفة: عَرّاف. وقالت طائفة شاعر، والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكماً، فإذا سئل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صدق لوليك المقتسمين.وقال مقاتل بن حيان: هم قوم اقتسموا القرآن، فقال بعضهم: سحر، وقال بعضهم: سمر، وقال بعضهم: كذب. وقال بعضهم: شعر، وقال بعضهم: أساطير الأولين.وقال بعضهم: هم الذين تقاسموا صالح وأرادوا تبييته.وقرأ قول الله: {وَكَانَ فِي المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ * قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله} [النمل: 48-49] الآية.{الذين جَعَلُواْ القرآن عِضِينَ} يعني عضوا كتاب الله ونبيه وأمره ونهيه أي كذبوا.وقوله: {عِضِينَ}، قال بعضهم: هو جمع عضو وهو مأخوذ من قولهم عضيت يعضيه إذا فرّقته.وقال رؤبة: يعني: بالمفرّق.وقال آخر: يعني بقوله عضّني بني عوف: سبّاهم وقطعهم بلسانه.وقال آخرون: بل هو جمع عضة، يقال: عضه وعضين. مثل يره ويرين، وكرة وكرين، وقلة وقلين، وعزة وعزين، وأصله عضهه ذهبت هاؤها الأصلية كما نقصوا الهاء من الشفة وأصلها شفهه ومن الشاة وأصلها شاهه يدلك على ذلك التصغير تقول: شفيهة وغويهة، ومعنى العضة: الكذب والبهتان، وفي الحديث: «لايعضه بعضكم بعضاً».{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} يوم القيامة {عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} في الدنيا.وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال: «عن لا إله إلاّ الله».قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما منكم من أحد إلاّ سيخلو الله تعالى به يوم القيامة، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر فيقول: يابن آدم ماذا غرك مني، يابن آدم ما عملت فيما علمت، يابن آدم ماذا أجبت المرسلين.واعترضت الملحدة بأبصار كليلة وأفهام عليلة على هذه الآية على قوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39] وحكموا عليهما بالتناقض.والجواب عنه: ما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 39]. قال: لانسألهم هل عملتم كذا وكذا، لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لِمَ عملتم كذا وكذا؟ واعتمد قطرب هذا القول، وقال: السؤال على ضربين: سؤال استعلام واستخبار، وسؤال توبيخ وتقرير. فقوله: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ} [الرحمن: 39] يعني استعلاماً واستخباراً، لأنه كان عالماً بهم قبل أن يخلقهم. وقوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} يعني تقريعاً وتقريراً ليريهم القدرة في تعذيبنا إياهم.وقال عكرمة: سألت مولاي عبد الله بن عبّاس عن الآيتين، فقال: إن يوم القيامة يوم طويل وفيه مواقف، يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها. ونظيره قوله: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} [المرسلات: 35] وقال في آية أخرى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31].وقال بعضهم: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ} [الرحمن: 39] إذا كان المذنب مكرهاً مضطراً، و{لَنَسْأَلَنَّهُمْ} إذا كانوا مختارين، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الصبى أو الجنون أو النوم، بيانه قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث» وقولهم: لنسألنهم، إذا كان عملهم خارجاً من هذه الأحوال، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الكفر.وقوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ} يعني المؤمنين، بيانه قوله: {قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الاسلام يجبّ ما قبله».{فاصدع}.قال ابن عبّاس: أظهر. الوالبي عنه: فاقض.عطية عنه: افعل. الضحاك: اعلم، الأخفش: افرق، المؤرّج: افصل، سيبويه: اقض.{بِمَا تُؤْمَرُ} يعني بأمرنا (ما) المصدر.وأصل الصدع: الفصل والفرق.قال ذؤيب يصف الحمار والأتن: وقيل: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإضهار الدعوة.روى موسى عن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال: مازال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً حتّى نزلت {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فخرج هو وأصحابه.وقال مجاهد: أراد الجهر بالقرآن في الصلاة.{وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} لا تبال بهم {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين}.يقول الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم فاصدع بأمر الله ولا تخف شيئاً سوى الله فإن الله كافيك من عاداك وآذاك كما كفاك المستهزئين وهم من قريش ورؤسائهم خمسة نفر: الوليد بن المغيرة، وعبد الله بن عمرو بن مخزوم وكان رأسهم، والعاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعيد بن سهم، «والأسود بن المطلب بن الحرث بن أسد بن عبد العزى أبو زمعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه فقال: اللهم أعم بصره وأثكله بولده» والأسود بن عبد يغوث بن وهب ابن عبد مناف بن زهرة، والحرث بن قيس بن الطلاطلة فإنه عيطل.فأتى جبرئيل محمداً صلى الله عليه وسلم والمستهزئون يطوفون بالبيت، فقام جبرئيل وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمرّ به الوليد بن المغيرة، فقال جبرئيل: يا محمّد كيف تجد هذا، قال: بئس عبد الله. قال: «قد كفيت» وأومأ إلى ساقه ويده، فمرّ برجل من خزاعة نبّال يريّش نبلاً له وعليه برد يمان وهو يجر إزاره فتعلقت شظّية من نبل بإزاره فمنعه الكبر أن يطمئن ونبذ عمامته وجعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض منه ومات.وقال الكلبي: تعلّق سهم بثوبه فأصاب أكحله فقطعه فمات.ومرَّ به العاص بن وائل، فقال جبرئيل: كيف تجد هذا يا محمّد؟ قال: «بئس عبد الله»، فأشار جبرئيل لأخمص رجله وقال: «قد كفيت» وقد خرج على راحلته ومعه اثنان يمنعانه فنزل شعباً من تلك الشعاب فوطيء على شرقة فدخلت منها شوكة في أخمص رجله، فقال: الوقت لدغت. فطلبوا ولم يجدوا شيئاً فأنتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق بعير فمات مكانه.ومرَّ به الأسود بن عبد المطلب، فقال جبرئيل: كيف تجد هذا يا محمّد؟ قال: «عبد سوء» فأشار إلى عينه، وقال: «قد كفيت» فعمى.قال ابن عبّاس: رماه جبرئيل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعت عينه، فجعل يضرب برأسه الجدار حتّى هلك.وفي رواية الكلبي: أتاه جبرئيل وهو قاعد في ظل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك واستغاث بغلامه، فقال غلامه: لا أرى أحداً يصنع بك شيئاً غير نفسك حتّى مات وهو يقول: قتلني ربّ محمّد.ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث فقال جبرئيل: كيف تجد هذا؟ فقال: «بئس عبد الله، على أنه خالي»، فقال: قد كفيت، وأشار إلى بطنه فشقّ بطنه فمات حينها.وفي رواية الكلبي: أنه خرج من أهله فأصابه السموم فاسودّ حتّى عاد حبشياً فأتى أهله فلم يعرفوه فأغلقوا دونه الباب هو يقول: قتلني ربّ محمّد.ومرَّ به الحرث بن قيس، فقال جبرئيل عليه السلام: يا محمّد كيف تجد هذا؟ قال: «عبد سوء» فأومأ إلى رأسه وقال: قد كفيت، فأمتخط قيحاً فقتله.وقال ابن عبّاس: إنه أكل حوتاً مالحاً فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتّى اتّقد بطنه فمات، فذلك قوله تعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين} يعنى بك وبالقرآن.{الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وعيدهم {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}.قال ابن عبّاس: فصلِّ يا محمّد لربك.{وَكُنْ مِّنَ الساجدين} المتواضعين.وقال الضحاك: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} قل سبحان الله وبحمده {وَكُنْ مِّنَ الساجدين} أي المصلين.ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة.{واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} يعني الموت، ومجازه: الموفق به.روى يونس بن زيد عن ابن شهاب: أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أم العلاء امرأة من الأنصار قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة قالت: فصار لنا عثمان ابن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي مات فيه، فلما توفي وغسّل وكفّن في ثوبه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: ياعثمان بن مظعون رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك أن الله أكرمه» قالت: فقلت: بأبي أنت يارسول الله فمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمّا هو فقد جاءه اليقين ووالله إني لأرجو له الخير».قالوا: فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أوحي إليَّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إليَّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتّى يأتيك اليقين».
|